تنمية ذاتية وحيل حياتية

مغالطات منطقية: 24 مغالطة لا ترتكبها في النقاش

لا ترتكب هذه المغالطات المنطقية في النقاش

في هذه المقالة سنتعرف على أشهر المغالطات المنطقية التي يرتكبها البعض في النقاش

محمود سامي
مغالطات منطقية: 24 مغالطة لا ترتكبها في النقاش

نقاش

مغالطات منطقية: النقاش. النقاش لغة يأتي من النقش ويعني حرفيا نقش أو رسم الكلام، وهو حوار بين طرفين أو أكثر بهدف تعرية الأخطاء وإثبات فكرة معينة لكن الهدف النهائي منه لا بد أن يكون معرفة الحقيقة، وإلا تحول الحوار إلا جدال يغلب عليه التمسك بالرأي لمجرد التمسك به ويصطبغ بطابع العداوة والشدة للطرف الآخر.

وكشخص يحب النقاشات -فهي مصدر جيد للتعلم-، أجد نفسي في أحيان كثيرة أواجه طريقا مسدود، ليس لأن النقاش لم يسر في مصلحتي بل لأنه لم يعد نقاشا من أساسه بل جدالا، وفيما يلي سنستعرض مجموعة مغالطات منطقية (Logical fallacies) يجب ألا تقع فيها أثناء النقاش كي لا تقع بذلك الفخ، ومن الأفضل إما أن تحاول التنبيه لها أو الانسحاب تماما -وهو أسلم الخيارات- إن وجدتها في الطرف الآخر، فأحيانا من الأفضل التسليم بعقم النقاش بدل مواصلة الدوران في حلقات مفرغة.

مغالطة رجل القش Straw man أو ما يعرف أيضا بالمغالطة البهلوانية

أصل التسمية يعود إلى العصور الوسطى، أين كانت تستخدم دمية من القش لتعلم المبارزة بدل مبارزة رجل حقيقي، ومعناها إعادة صياغة حجة الطرف الآخر بغرض تشويهها حتى يسهل نقضها عند الفشل في نقض الحجة الرئيسية، مما يمنح صاحب المغالطة أفضلية، لكنه لن يقود بأي شكل إلى نقاش صادق يهدف للحقيقة.

مغالطات منطقية عند رجال السياسة:

وكمثال فلنقل أن شخصا قال لصديقه أن مبتكر القنبلة الذرية لا بد أن يكون عبقريا، ليجيبه صديقه “منذ متى وقتل الناس أمر جيد؟”، الأول لم يقل أبد أن قتل الناس جيد، بل هو علق على عبقرية الفكرة من الجانب العلمي ليعبث الثاني بكلامه ويستنبط منه شيئا ليس فيه وينقده.

تكثر هذه المغالطة في المرافعات القضائية والحروب بين السياسيين.

مغالطة التعليل الخاطئ false cause fallacy

مغالطة شائعة جدا من بين مغالطات منطقية نتداولها باستمرار، وهي الربط بين أمرين لا علاقة بينهما يحدثان في آن واحد أو بترتيب معين والقول بأن أحدهما مسبب للآخر، فأحيانا يكون ترابط أمرين صدفة لا علاقة لها بالسببية إطلاقا، كأن يرى شخص ما أن الثلج لم ينزل منذ وفاة أمه فيستنتج أن أمه كانت تأتي بالثلج لأجله.

قد يبدو المثال أعلاه سخيفا، لكن هذه المغالطة قد تأتي بأشياء خطيرة فعلا ككون لقاحات الأطفال تتركز جميعها قبل سن الثانية وهو السن الذي تظهر فيه أية مشاكل في النمو والتطور كالتوحد مثلا، فتم خلق علاقة سببية بين لقاحات الأطفال والتوحد جورا.

مغالطة الانزلاق بالنتائج Slippery slope fallacy

وهي التسليم بأن أحداث ما ستلي حدثا معينا إن وقع دون أي دليل إطلاقا وبدل مناقشة الحدث نفسه تم مناقشة الأحداث الأخرى التي من المتوهم أن تليه لو سمح للحدث بالوقوع.

فلنقل أن الشخص الأول يحاول مناقشة الحدث a

الشخص الثاني يجيبه أن الحدث a إن وقع فهذا سيسمح بوقوع الحدث b ويبدأ بمناقشة b، وb سيء لذلك لا يمكن السماح ل a بالحدوث.

ومثال على هذا هي حجة أراها كثيرا، “لو بدأ المجتمع بتقبل المثلية، فهذا سيقودنا إلى تقبل البيدوفيليا (اشتهاء الأطفال) وسفاح القربى فيتزوج الناس أمهاتهم وأخواتهم وأبناءهم وأطفال في السادسة والقطط والكلاب وكل ما يتحرك!” مما يبعدنا عن مناقشة الموضوع الرئيسي من أساسه.

مغالطة “المغالطة” The “fallacy” fallacy

هذه المغالطة تنص على أنه إن تم استخدام حجة خاطئة للدفاع عن موضوع ما فإن الموضوع بالضرورة خاطئ، وهذا غير صحيح، يمكن الدفاع عن قضية صحيحة تماما لكن باستخدام حجج خاطئة، ففي الرياضيات لدينا قاعدة تقول أن الصواب لا يستلزم عنه إلا ما هو صواب، لكن الخطأ يمكن أن يستلزم عنه الصواب كذلك، لكن بالتأكيد إن كنت تنوي الدفاع عن موضوع ما أو تبنيه فتأكد من حججك جيدا، ومع ذلك لا يجب أن تقفز بالاستنتاجات إن وجدت أن إحدى حجج الطرف الآخر خاطئة أو غير مقبولة كذلك.

كمثال تصور أن تقول لشخص ما إن التدخين مضر بالصحة، هذا ما قاله خبير الصحة السيد x ليجيبك الشخص أن السيد x لم يقل أبدا شيئا كهذا، وعليه فالتدخين ليس مضرا بالصحة ويجب أن ندخن كل يوم.

مغالطة استجداء العاطفة Appeal to emotion

تتمثل هذه المغالطة في محاولة استجداء استجابة عاطفية من الطرف الآخر بدل إقناعه بحجة منطقية، نحن لا ننفي العواطف من الحجج هنا، فحجة منطقية قوية يمكنها كذلك أن تثير الكثير من العواطف، المشكل هو في استخدام تلك العواطف بدل الحجة نفسها، ويقصد بالعواطف هنا مشاعر الفخر أو الشفقة أو الحسد أو الخوف أو الغضب وغيرها على حسب الحاجة، وتستخدم هذه المغالطة كثيرا عند مندوبي المبيعات والتجار كأن يأتيك شخص ما بمنتج جديد، وبدل إقناعك بشرائه عن طريق تعديد ميزات المنتج (أو في حالة فعل ولم ينجح الأمر) يلجأ إلى إخبارك كيف أن ذلك المنتج في دفعته الأولى ولم تصنع منه إلا مئتا نسخة وستكون أول من يقتنيه بين الجميع، وكيف سيحسدك كل أصدقائك عليه، أو ربما يحدثك عن فقره وحاجته الشديدة للمال أو رب العمل الذي سيعاقبه إن لم يبع المنتج، على أيّ حال.. أنت دون علمك لن تشتري المنتج للمنتج نفسه بل لأسباب أخرى، ومن منا لم يجد نفسه يوما في البيت بمحفظة فارغة وشيء يعلم جيدا أنه لا يريده ولا فكرة لديه ماذا يفعل به؟!

مغالطات منطقية أثناء الكلام

التوسل بالنفاق أو باختصار “أنت كذلك” Tu quoque

تجنب التعامل مع الحجة وذلك بتحويل الانتقاد إلى صاحبه في حالة كان يقول أو يقوم بشيء يعارض القضية التي يحاول الدفاع عنها، فقيام شخص ما بشيء ما لا يجعله صحيحا بالضرورة، نحن بشر وأحيانا ندافع عن قضايا ونرتكب عكسها لضعف فينا، لكن هل هذا يضعف القضية نفسها؟

كمثال، سنأخذ أبا وابنه مثلا، الأب يقول لابنه ألا يدخن فهو مضر جدا له، فيرد عليه الابن أن الأب يدخن طوال الوقت فلا حق له في الحديث، فهل تدخين الأب جعل التدخين غير مضر؟ بالتأكيد كلا فهذه مغالطة منطقية.

الشخصنة Ad hominem

كم أكره هذه المغالطة! وهي التهجم على شخص الفرد بدل نقاش حجته، فتعتبر عيبا في شخصية الفرد المدافع عيبا في القضية نفسها، وعادة ما تبدأ بالهجوم على صاحب الفكرة بشيء لا علاقة له بالقضية إطلاقا ثم استخدام ذلك الهجوم ليصبح دليلا ضدها بلا وجه حق.

والسبب في خطأ المغالطة أن شخصية الفرد المدافع لا علاقة لها بالقضية إطلاقا، فلو قام هتلر من ترابه الآن وأخبرك أن 1+1=2 فهل ستكذبه لشخصه؟

وللتوضيح أكثر فلنأخذ صديقين في نقاش حول كون لقاحات الأطفال تسبب التوحد مثلا ليقول أحدهما نشر السيد y أبحاثا لاقت قبولا واسعة في النطاق العلمي ليثبت فيها أن لقاحات الأطفال لا تسبب التوحد ليرد الثاني “لا تحدثني عن السيد y فهو شخص سيء، ألا تعلم أنه يخون زوجته في الخفاء؟”

مغالطات منطقية: السؤال الملغّم Loaded question

سؤال يحتوي فرضا مسبقا، إذ لا يمكن الإجابة عليه دون تأكيد الفرض وجر الطرف الآخر إلى منطقة يشعر فيها بالذنب، وكمثال فلنفرض وجود صديقين معجبين بنفس الفتاة، يغتنم أحدهما الفرصة عندما تمر أمامهما ليسأل صديقه “أنت لا تنوي العودة إلى السجن أليس كذلك؟” السؤال هنا ملغوم فمهما كانت إجابة الصديق نفيا أو إيجابا فهو سيؤكد على الأقل أنه كان في السجن سابقا مسببا بذلك سخط الفتاة على الأغلب ليحوز صديقه الأفضلية.

مغالطات منطقية عند رجال الدين:

هذا النوع من الأسئلة أكثر شيوعا بكثير مما تعتقد، فهو في كل شيء من حولك تقريبا وإن كان لا يأتي دائما بمباشرة المثال السابق، ونجده حاضرا بقوة في مجموعة الفتاوى العجيبة التي تتحفنا من حين إلى آخر، كأن يسأل أحد شيخا ما إن كان السفر إلى بلدان غير المسلمين جائزا، أي شخص في حالة طبيعية ما كان ليجيب بالنفي، بيد أن السؤال لم يطرح على هذا الشكل بل بشيء أقرب إلى هذا: “يا شيخ، يعلم الجميع أن بلاد الكفار تمتلئ بالخمور والدعارة وأكل لحم الخنزير وتفشي الاغتصاب والنساء العاريات والمثلية الجنسية والانحلال الخلقي الذي يمس بدين المسلم ويجعله يخاف عليه، فهل يجوز له السفر إليها مع ذلك؟” وهنا نجد أرضية خصبة للشيخ كي يحرم على هواه مستندا إلى آيات وأحاديث تحرم الزنى والخمر وغيرها مما ذكر السائل ليكللها بتحريم السفر نفسه مما يجعل الأمر يبدو كما لو أن الشيخ لم يأت بشيء من عنده في التحريم بيد أن الأمر ليس كذلك، فالسائل -والذي عادة يكون من حلقة الشيخ وتلاميذه- لم يطرح سؤالا نزيها، بل طرحه على فرض أن أول شيء سيفعله مسلم إن وضع رجله على التراب البريطاني هو البحث عن عناوين بيوت الدعارة أو قصد خمارة الحي!

مغالطة المقامر The gambler’s fallacy

أن تربط احتمالية حدوث شيء بشيء مستقل عنه تماما، وهي مفارقة شائعة جدا ومصدر رزق أصحاب الكازينوهات، وكمثال فلنأخذ رمي القطعة النقدية إن احتمالية ظهور الوجه في كل رمية مساوية لاحتمالية ظهور النقش وهي ½ وعليه يكون احتمال ظهور النقش 10 مرات متتالية هو 10^(½) أليس كذلك؟

الآن تصور أن شخصا ألقى قطعة نقدية ويا للعجب حصل على نقش في المرات التسعة جميعها، إذن احتمالية أن يحصل على نقش مرة أخرى قليلة جدا (10^(½)) وبالتالي فلديه احتمال كبير أن المرة العاشرة ستكون وجها، هذا خطأ، فمع أن حصولك على النقش عشرة مرات ذو احتمال 10^(½) إلى أن لكل رمية احتماليتها المستقلة وهي ½ وبالتالي فلهذا الشخص احتمالات متساوية بين الوجه والنقش في مرته العاشرة أو الحادية عشرة أو المليون بغض النظر عن النتائج السابقة.

التشكيك من خلال صعوبة الفهم Personal incredulity

هذه المغالطة تقول أن الشيء خاطئ لأن الفرد لا يستطيع فهمه، وتستخدم كثيرا في المواضيع المعقدة كالبيولوجيا أو الفيزياء المتقدمة والتي تتطلب مستوى لا بأس به نوعا ما من المعرفة والقدرات من المتلقي.

إن بساطة فكرة لا يجعلها بالضرورة صحيحة، لقد آمن الإغريق بهذه المغالطة، فاعتبروا مثلا أن مدارات الكواكب لا بد أن تكون دائرية لأنه أبسط شكل ممكن، وأنها لا بد أن تدور حول الأرض ومجددا كان تعليلهم يعود لبساطة الفكرة، واستمرت هذه المغالطة حتى عند العرب لاحقا إلى أن جاء عصر التنوير، وتغيرت النظرة للأمور فأدرك الانسان أن الفكرة لا يجب أن تكون بسيطة بالضرورة، المهم هو بساطة القوانين الرياضية، لكن حتى هذا تغير لاحقا بظهور النسبية وميكانيكا الكم، فلا أحد يمكن أن يقول أن النسبية أبسط من ميكانيك نيوتن، لكن هذا لم يمنعها من أن تتغلب عليها.

وكمثال سنأخذ شخصين في جدال حول النسبية الخاصة مثلا، ليقول أحدهما “كيف يمكن للزمن أن يتغير؟ هذا غباء، كيف تصدق به”، إذا استخدم عدم فهمه لكيفية تغير الزمن كحجة لنفيه، على أيّ حال إن كانت صعوبة الفهم تدحض القضية لما قامت ميكانيكا الكم بأسرها وهو ما يذكرني بما قاله ريتشارد فاينمان يوما “أظن أنه من الآمن القول أن لا أحد يفهم ميكانيك الكم فعلا”!

 مغالطات منطقية: التوسل بالاستثناء Special pleading

نحن بشر، والبشر يكرهون أن يكونوا على خطأ، هذا ببساطة معنى هذه المغالطة، فهي تتلخص في خلق استثناء لتبرير خطأ فكرة معينة، لأنه أحيانا، نجد راحة أكبر في تصديق كذبة على فتح عيوننا للحقيقة، لذلك من المهم أن تمتحن قناعاتك إن كانت فعلا قناعات أم أنك تريدها أن تكون كذلك فتستمر في خلق الحجج لها لتبريرها.

كمثال هنا سنأخذ زعيما دينيا لإحدى القبائل يدعي أن عنده قدرات سحرية، وعندما امتحنت قدراته وفشل، برر أتباعه أن قواه لا تظهر إلا أمام المؤمنين به.

عبء الإثبات Burden of proof

تنص على أن عبء إثبات صحة فكرة معينة لا يقع على من أتى بها بل يعتمد على قدرة الطرف الآخر على دحضها، ومع أن غياب الأدلة لا يكون دائما دليلا على الغياب، لكن ادعاء شيء غير موجود إطلاقا تكون محاولة دحضه مستحيلة كذلك، فلا يمكن إثبات عدم وجود زيوس وزوجته هيرا، عروس البحر أو كوكب الجبن، لكن هذا لا يجعل أي من هذه الأمور موجودة (على الأقل حسب معرفتنا الحالية) ولست ملزما بأي شكل أن تؤمن بها، عبء إثبات الفكرة يقع على صاحبها، وليس عليك كي تنفيها، تذكر هذا قبل الدخول في أي جدال غيبي أو ميتافيزيقي تطالب فيه بإثبات غياب أفكار لا دليل عليها إطلاقا، فهي ليست موضع نقاش من أساسه قبل توفير الدليل.

وكمثال هنا فأنا أتحداك أن تثبت لي عدم وجود الكائنات الخفية المكتفية ذاتيا والغير قابلة للرصد التي تسكن على سطح القمر، إن لم تستطع فأنا أطالبك بالتسليم بوجودها بحكم أن لا دليل يقول عكس ذلك.

مغالطات منطقية: الالتباس في المعنى Ambiguity

استخدام ألفاظ مبهمة يمكن أن تقبل عدة معاني بهدف التضليل أو تحريف الحقائق. وهي مغالطة تكثر عند السياسيين ورجال السلطة كثيرا للهروب من تصريحاتهم في حالة ووجهوا بها.

كمثال لدينا العبارة التالية “نحن أصبح لدينا فهم جيد للكون من حولنا، لذلك فنحن نعرف بالضبط كيف بدأ ولماذا”

الالتباس هنا هو في عبارة فهم جيد فهي غير واضحة، ما المقصود بها؟ وكيف قادت إلى هذا الاستنتاج؟

استخدام السلطة أو التوسل بالسُّلطة Appeal to authority

هذه المغالطة تحدث عند الجزم بأن تبني شخص ما ذو سلطة معينة في مجال معين لرأي ما يجعله صحيحا بالضرورة، نحن لا ندعو إلى تجاهل آراء أصحاب المجال والاجماع العلمي، لكن تقديس الفرد مرفوض، الفرد نفسه ليس مصدرا، أبحاثه التي يجب أن تحمل المقاييس العلمية هي المصدر، وهنا جدير بالتنويه أن السلطة المقصودة هي سلطة من ذات المجال، فرأي السياسيين لا يحتسب في قضايا البيئة، ورأي شيوخ الدين لا يحتسب في الطب، ورأي بروفيسور قانون لا يمكن استخدامه في نقد نظرية التطور (وهو مثال رأيته شخصيا)، لكن كيف نحكم على سلطة (هي من داخل المجال) إن كانت تأتي فعلا بمصادرة حقيقية أو مزيفة وهل مصادرها معتمدة كي نصدقها؟

التوسل بالجماعة Bandwagon

محاولة إثبات فرضية معينة بناء على شعبيتها بين الناس وشيوعها.

لفهم هذه المغالطة، تصوروا معي الانسان في بداياته، كائن ضعيف عار بلا فرو ولا أنياب أو مخالب فكيف نجونا؟ ببساطة إنها الجماعة، العيش مع القطيع بحثا عن الحماية والطعام هو ما أبقانا على قيد الحياة، ولهذا أدمغتنا تطورت لتميل إلى تصديق ما تقوله لها الجماعة، ولا زال هذا باقيا إلى اليوم، نحن مجتمع جماعي لكل منا دور فيه، المشكل هنا أن الجماعة لا تكون على حق بالضرورة، لذلك لا بد من التمرد على غرائزنا من حين إلى آخر، تذكر دائما إن كنت تعتبر الجماعة كمصدر، أن أغلب أوروبا صدقت في فترة معينة بأخطار الماء وامتنع الناس عن الاستحمام لسنين.

سنأخذ مثالا شائعا جدا هنا، قامت جريدة بعمل استفتاء في الشارع حول أضرار الوجبات السريعة، وأجاب 60% من الناس أنها غير مضرة، وعليه نستنتج أن الوجبات السريعة غير مضرة ويمكن تناولها كل يوم.

التعميم Composition/division

وهي تعميم صحة الجزء على الكل، ومع أن الأمر قد يكون صحيحا في عدة حالات لكنه خاطئ كذلك في أخرى، هذا ما يعرف في الفلسفة بالاستقراء الناقص.

ومثال هذا أن تقول أنا بشر، وأنا أكره الحليب، وعليه يكره البشر جميعا الحليب، أو أن تقول أن الانسان مكون من ذرات، والذرات خفية، فلا بد أن يكون الانسان خفيا!

الحكم بناءً على المصدر Genetic

الحكم على خطأ معلومة بناء على مصدرها، وهي مشابهة للشخصنة، لكنها تشمل الأشياء هنا.

أكيد لمصدر المعلومة دور كبير في تصديقها أم لا، لكن كون معلومة ظهرت في مصدر معين لا يعني بالضرورة أن تكون خاطئة، فمجددا لو قالت إحدى الصحف الصفراء أن 1+1=2 فهذا لا يجعل الأمر خاطئ، لكن هذا لا ينفي ضرورة الحذر في المصادر خصوصا العلمية منها، المعلومة الصحيحة لا بد أن تجدها في المصادر الموثوقة حتى وإن كان ذلك إلى جانب الصفراء، فإن وجدت معلومة في مصدر مشبوها ابحث أكثر وحاول التأكد من مصادر معتمدة، من المحتمل أن تكون المعلومة صحيحة، لكنه احتمال، فلا يجب أن تكون صحيحة بالضرورة كذلك، خصوصا إن كان لمصدرك سوابق.

مرة أخرى يمكنك تطبيق الخطوات التي سبق التطرق إليها في مقال الادعاء الكاذب قبل تقبل المعلومات خصوصا العلمية منها.

كمثال سنأخذ صحيفة نشرت خبر فساد أحد السياسيين، وبدل الدفاع عن نفسه، يلقي الرجل خطابا عن ضرورة الحذر من الإعلام.

مغالطة “ليس اسكوتلندي حقيقي” No true scotsman

المغالطة أخذت اسمها من القصة التالية

العجوز: “لا يوجد إسكوتلندي يضع السكر على العصيدة”

الرجل: “لكن خالي وهو اسكوتلندي يحب السكر على عصيدته”

العجوز: “أه أجل، لا يوجد اسكوتلندي حقيقي يضع السكر على العصيدة”

وكما توضح من القصة، فالمغالطة هي التشكيك في أصل الادعاء ونفي القضية عنه بدل إعادة التفكير فيها.

ومع أن القصة هي نفسها مثال فلا ضير من مثال آخر، هنالك جماعة دينية تقول أن المؤمن لا يمكن أبدا أن يترك إيمانه، وعند المواجهة بأن هنالك الكثير من الناس تركوا إيمانهم أو غيروه، تجيب الجماعة أنهم لم يكونوا مؤمنين حقيقيين منذ البداية.

مغالطات منطقية: إما أسود أو أبيض Black or White

عرض خيارين باعتبارهما الوحيدين المتاحين في حين وجود خيارات أخرى.

المشكلة هن أن الأمر عادة يبدو منطقيا جدا، وهو يتطلب جهدا من الطرف الآخر ليدرك وجود خيارات أخرى وليس فقط ما يعرض أمامه.

للمثال سأستخدم موقفا تعرضت له منذ ساعات قليلة فقط من كتابة هذه النقطة، كنت في جدال مع أحدهم حول زواج القاصرات، -وإن لم يكن هو موضوعنا- لكنني فوجئت بالسؤال:”ماذا تفضلين إذن، تزويج الفتاة أم تركها للانحلال الخلقي؟” على أساس أن الخيار الوحيد المتاح لبنت العاشرة إلى جانب تزويجها هو الانحلال الخلقي، ماذا عن عيش طفولتها وتعليمها، وإيجادها حلما خاصا بها إلى حين أن تبلغ السن التي تأهلها أن تقرر فيها الزواج إن اختارته، لست هنا كي أناقش الموضوع، لكنني أعتقد أنه من الممكن أن نتفق على الأقل أن ما عرض إجحاف كبير في الخيارات.

مغالطات منطقية: المنطق الدائري Circular reasoning

منطق تكون النتيجة فيه مدعومة بالحجة، والحجة مدعومة بالنتيجة ويمكن تلخيصه كالتالي

A صحيح لأن B صحيح

B صحيح لأن A صحيح

وكمثال، سنأخذ مزحة معروفة عند الجميع، لكي تعمل يجب أن تكون لديك خبرة، ولكي تكون لديك خبرة يجب أن تعمل، وبهذا تعلق في منطق دائري.

استخدام حجة الطبيعة Appeal to nature

اعتبار كون الشيء طبيعيا يجعله صحيحا بالضرورة، وكل ما هو غير طبيعي فهو سيء بالضرورة كذلك وهذا خطأ، بالتأكيد أغلب الأشياء الطبيعية جيدة، لكن القتل طبيعي كذلك وأكل لحوم أبناء ذات الجنس (في حالتنا البشر) والسرطان طبيعي هو الآخر في حين أن العمليات الجراحية التي تنقذ حيات الملايين سنويا غير طبيعية.

وكمثال يكفينا القول أن الكوكايين طبيعي 100% لذلك فهو جيد!

التوسل بالتجربة الشخصية Anecdotal

استخدام تجربة شخصية معزولة بدل إثباتات وحجج منطقية، فكبشر نميل إلى تصديق التجارب الشخصية أكثر، فمن الأسهل بكثير الاستماع لقصة شخصية بدل محاضرة علمية معقدة أو احصائيات مملة، لكن ما هو سهل ليس صحيحا بالضرورة، وكمثال فلنقل أن شخصا سيأتيك ليخبرك أن جده كان يدخن علبة سجائر كاملة في اليوم ومع ذلك عاش حتى السابعة والتسعين، لذلك فأضرار التدخين مجرد أسطورة.

ونرى هذه المفارقة جلية جدا في قصص الجدات وعلاجاتهن، وعل خير وصف لها هو المثل الشعبي القائل “اسأل المجرب ولا تسأل الطبيب”.

مغالطة قناص تكساس The texas sharpshooter

اسم المغالطة يعود إلى مزحة أمريكية قديمة، عن أن رجلا من تكساس كان يطلق النار عشوائيا على حائط، ثم يختار المنطقة التي أصابها أكبر عدد من الطلقات ليرسم عليها دائرة الهدف ويدعي بذلك أنه قناص.

ومعنى المغالطة، هي اختيار المعلومات التي تثبت فرضيتك وإهمال المعلومات الأخرى. كمثال فلنأخذ دراسة أرادت تحديد تأثير المبيدات على الناس في قرية ما، ووجدت أن 40% ممن يستخدمون المبيدات لديهم سرطان، وعليه استنتجت أن المبيدات ترفع خطر الإصابة بالسرطان، المشكلة أن النسبة ذاتها كانت عند من لا يستخدمون المبيدات في القرية، وهو ما أهملته الدراسة كي تصل إلى استنتاجها.

مغالطات منطقية: الوسطية Middle ground

هو القول أن الحل الوسط أو التوسط بين نقيضين هو الحل الصواب.

صحيح أن الحل الوسط غالبا ما يكون مرضيا، وصحيحا في عدة حالات لكن ليس دائما، فالتوسط في الخطأ هو خطأ كذلك ونصف كذبة هي كذبة والوقوف بين الحقيقة والزيف لا زال يجعلك واقفا على ما هو مزيف فاحذر عبارة “خير الأمور أوسطها” فهي ليست صحيحة دائما.

كمثال سنأخذ صديقين، يقول أحدهما أن الانسان لا يستخدم إلا 10% من دماغه، وعند مواجهته بالأدلة العلمية لإثبات خطأ قوله يقول: حسن، بعض الأشخاص لا يستخدمون إلا 10% من دماغهم.

فيما سبق، استعرضنا أربعا وعشرين مغالطة منطقية يشيع استخدامها في النقاشات، ومن شأنها تحويل أي نقاش عقلاني إلى آخر عقيم يدور في حلقات مفرغة لا معنى لها، فحاولوا دائما تجنبها.


النقاش مغالطات منطقية أشهر المغالطات المنطقية مغالطات منطقية شهيرة