الأرق: هذا ما يحدث لجسمك نتيجة قلة النوم

الأرق: قلة النوم ليست مشكلة بسيطة! قد يبدو لأحدنا لوهلة أن النوم نشاط عادي لاستعادة طاقتنا لنقوم بنشاطاتنا اليومية، لكن في الحقيقة يعتبر النوم مرحلة ضرورية لجسم الإنسان، ليس فقط من أجل الراحة بل حتى للقيام بنشاطات حيوية مهمة. في هذا المقال سنناقش آثار قلة النوم على جسم الإنسان حسب ما هو مثبت علميا.

ملاحظة مهمة: هذا النص هو مقال علمي موثق بمصادره، لا علاقة له بأيّ رأي شخصي، قد تكون الحقائق المذكورة صادمة لكن هذا ما قاله العلم ولا يمكننا تحريفه بأيّ شكل من الأشكال، خلال قراءتك للموضوع ستجد روابط تحوّلك إلى المصادر الأصلية التي ذكرت المعلومات الواردة، لتأخذ نظرة واضحة من الجيد أن تتابع الموضوع حتّى النهاية، قراءة ممتعة..

كيف يتم النوم؟

ما يجب أنْ تعرفه أولا، أنَّ النوم يتم عبر دورات متواصلة، تدوم كل دورة تقريبا ساعة ونصف، وتتكرر حوالي أربع إلى ست مرات في الليلة العادية.

تتكون الدورة الواحدة من 5 مراحل هم:

1- النعاس

هي مرحلة الانتقال من اليقظة إلى النوم، تتميز بتناقص الوتيرة العضلية والقلبية (أي انخفاض النشاط العضلي وعدد ضربات القلب)، لا تتجاوز مدتها الدقائق، ولهذا تبدأ حالة الأرق إذا مرت 20 دقيقة على النعاس ولم يتحقق النوم.

2- النوم الطويل الخفيف

من السهل جدا إيقاظ النائم في هذه المرحلة سواء من خلال الأصوات أو الأضواء المزعجة. تتميز بتناقص أكثر في الوتيرة العضلية وحركات العين، تنفس منتظم، مع بداية ارتخاء الجسم.

3- النوم الطويل العميق

ينفصل النائم تماما عن العالم الخارجي ويصعب إيقاظه. ينخفض نشاط الدماغ، ومعدلات نبض القلب والتنفس بشكل ملحوظ، أما الوتيرة العضلية وحركات العينين فتنعدم تقريبا. خلال هذه الفترة يتم إفراز هرمونات النمو لدى الأطفال وزيادة فعالية الجهاز المناعي.

4- حركة العين السريعة REM

تدعى أيضا بالنوم المتناقضparadoxical sleep  في هذه المرحلة تتشكل الأحلام والكوابيس، وتتثبت الأحداث الماضية في الذاكرة طويلة المدى. تتميز بنشاط عالي جدا للدماغ (أعلى منه في حالة اليقظة)، حركات العين سريعة مع شلل تام للعضلات. بالنسبة للتنفس، الضغط الدموي والضربات القلبية فهي غير ثابتة.

5- مرحلة الكمون

إما أن تكون مرحلة انتقاليه بين حركة العين السريعة والنوم الطويل الخفيف وبالتالي بداية دورة جديدة، أو أن تسبق الاستيقاظ.

كم يجب أن ننام؟

تختلف عدد ساعات النوم من شخص إلى آخر، تتحكم فيها عوامل مختلفة كالجنس والسن أو طبيعة العمل. المعروف والمأخوذ به عامة هو التقسيم حسب الفئات والعمرية ويكون كالتالي:

 تختلف عدد ساعات النوم عند البالغين، فبعضهم تكفيه 6 ساعات وآخرون يحتاجون إلى 10 ساعات. كما أن كمية النوم المطلوبة تتأثر بعادات النوم السابقة، فمثلا إذا كنت تعاني من قلة في النوم، فإنك تحتاج إلى كمية أكبر لتعويض النقص.

النساء الحوامل قد يحتجن إلى كميات أكبر خلال الأشهر الثلاث الأولى.

ماذا يحدث لجسم الإنسان في حالة نقص النوم؟

فقدان أو قلة النوم – أحد أهم وأخطر اضطرابات النوم التي قد تواجه الإنسان. ورغم اختلاف أسباب هذه المشكلة (مشاكل صحية عضوية كـ الأرق أو انقطاع التنفس أو نفسية كالاكتئاب والقلق المزمن –عادات ما قبل النوم السيئة كالتعرض الزائد للأجهزة الالكترونية ليلا…) إلا أن نتائجها كارثية على جسم الإنسان، سنتطرق لها فيما يلي:

1- الدماغ… المتضرر الرئيسي بسبب الأرق

يرتبط عمل ونشاط الدماغ ارتباطا وثيقا بكمية ونوعية النوم المحصل عليهما، ولهذا أي نقص يؤدي إلى خلل في الوظائف الرئيسية للدماغ قد تبقى بعضها على المدى البعيد. يقول ريتشارد شاين، طبيب مختص في سلوكيات النوم “أن نتائج التصوير بالرنين المغناطيسي بينت أن النقص في النوم يعيق وصول الدم إلى مناطق الدماغ التي تتحكم في عمليات التفكير، وبالتالي يضعف القدرة على حل المشاكل، يبطئ سرعة الفهم، ويقلل من مهارات التفكير البنّاء والمنطقي”، كما أظهرت دراسة، قام بها باحثون من المعهد الهولندي لعلوم الأعصاب ونُشرت في مجلة علم النفس البيولوجي Biological psychiatry أن الأرق المزمن مرتبط بفقدان كميات من المادة الرمادية للدماغ خاصة في المناطق المسؤولة عن التفكير والتركيز.

تأثير قلة النوم على الذاكرة

كما أن نقص النوم يأثر على عملية التعلم بطريقتين: نقص التركيز الذي يضعف التعلم الفعال بنسبة كبيرة، وضعف تشكيل الذاكرة قصيرة وطويلة المدى. يشرح ذلك الدكتور مايكل بروس “خلال مرحلة حركة العين السريعة REM” تنتقل المعلومات من الذاكرة القصيرة إلى الذاكرة طويلة المدى. عندما لا نحصل على نوم كاف، تتأثر هذه المرحلة وبالتالي عملية تشكل الذاكرة”.

بالإضافة إلى هذا، تنقص قدرة الشخص على إعطاء أحكام سوية وحكيمة، حيث بينت دراسة أجريت على مجموعة أطباء مقيمين أثناء مناوباتهم الليلية أن الذين حصلوا على أقل من ساعة نوم خلال المناوبة قاموا بقرارات طبية خطيرة.

قلة النوم تأثر أيضا على مدى استيعاب حالات الخطر، وبالتالي تصبح السياقة واستعمال الآلات في المصانع أنشطة صعبة وخطيرة. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، سجلت الإدارة الوطنية للسلامة عبر الطرقات السريعة أكثر من 82 ألف حادث سير سببه التعب وقلة النوم، منها 886 حادث مميت. لذلك إذا وجدت أنك تشعر بالتعب أو النعاس أثناء السياقة، افتح النوافذ، ارفع صوت الراديو، أو اركن جانبا وخذ قيلولة لمدة 20 دقيقة على الأقل. الاستمرار على هذه الحال قد يودي بحياتك.

2- الحالة النفسية

يقول الدكتور بروس “أن النقص في النوم يؤثر في المزاج، فهو يجعلك ترى الأشياء بسلبية أكثر لأن مشاعرك ستكون أكثر تقلبا. إن الفص الجبهي للدماغ المسؤول عن التفكير، الاستنتاج والمنطق عادة ما يرتبط مع “اللوزة [1] amygdala” الجزء المسؤول عن المشاعر كالخوف، القلق، والغضب. أظهر التصوير بالرنين المغناطيسي أنه في حالة نقص النوم تقل الاتصالات العصبية بين هذين المركزين ما يؤدي الى سرعة التهيج، الانفعال، العنف والغضب.

[1] اللوزة: كتلة من المادة الرمادية ذات شكل لوزي، تقع داخل الفص الصدغي للدماغ.

كما أشارت دراسة أن الأشخاص المُؤرَقين أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب السريري والقلق المزمن بـ 17.35 مرة، وفي دراسة أخرى أن المصابين بالاكتئاب أكثر عرضة للأرق من غيرهم بـ 5 مرات. لا يعرف لحد الآن أي الحالتين يسبب الآخر لكن الرابط وثيق بينهما.

بطريقة أخرى، الأرق والاكتئاب يغذيان بعضهما البعض: قلة النوم قد تزيد من حدة الاكتئاب والعكس صحيح.

3- صحة القلب والأوعية الدموية

نتائج قلة النوم على جهاز القلب والأوعية الدموية بصفة عامة طويلة المدى. أظهرت دراسة أن قلة النوم تزيد من خطر الإصابة بالجلطات القلبية ومرض القلب التاجي. كما تزيد من احتمالية ارتفاع الضغط الدموي. لهذا من الضروري جدا على مرضى القلب الالتزام بعادات نوم صحية لتجنب المضاعفات.

4- النوم والجلد

يقول الدكتور شاه طبيب فيزيائي في مركز اضطرابات النوم في مستشفى كليفلاند كلينيك بالولايات المتحدة الأمريكية: “يلعب النوم دورا أساسيا في تجديد الخلايا وعملية الالتهاب، وبالتالي فهو ضروري للشفاء من المشاكل الجلدية. ولهذا تعتبر الهالات السوداء، البشرة الشاحبة والعيون المنتفخة من أهم أعراض نقص النوم”

كما أشارت أبحاث أن الأشخاص الذين يحتاجون نوما أكثر، أقل جذبا وجمالا نظرا للتأثيرات الظاهرة على وجوههم من تعب وشحوب.

5- السمنة

من المثبَت أن النقص في النوم يؤدي إلى زيادة الوزن. يقول الدكتور شاه “في حالة نقص النوم، يتأثر هرمونين أساسين في تنظيم الأكل، فمن جهة تزداد كميات هرمون الجريلين، والذي يعمل على زيادة الشهية، ومن جهة أخرى ينقص هرمون اللابتين ذو العمل المعاكس”.

كما أشارت دراسة في سنة 2004 أن الأشخاص الذين يحصلون على أقل من 4 ساعات نوم هم الأكثر عرضة للسمنة بنسبة 30 بالمائة.

6- الحياة الجنسية

نقص النوم له تأثير كبير على الحياة الجنسية للأفراد، ففي دراسة: النوم أقل من 5 ساعات ينقص من الهرمونات الجنسية بـ 15 بالمائة، ما يعني نقص في الرغبة الجنسية. كما أشارت دراسة أخرى أن الرجال الذين يعانون من انقطاع التنفس (حالة مرضية) أثناء النوم، ما يعني قلة النوم، تنخفض لديهم كميات الهرمون الجنسي الذكري التستوستيرون.

7- الجهاز المناعي

توجد أبحاث مثبتة أن قلة النوم تخفض من عمل الجهاز المناعي، ما يعني أنك ستكون أكثر عرضة لنزعات البرد والالتهابات. ليس هذا فحسب بل حتى فاعلية اللقاحات لبعض الأمراض تقل تماما. والأمر الخطير هنا، أن قلة النوم تزيد من احتمالية الإصابة بسرطان الثدي، القولون والبروستات.

8- التعب وغياب الطاقة

إذا كنت شخصا رياضيا فمن الضروري جدا أن تحصل على كميات كافية من النوم.

ففي حالة نقص النوم، ستجد نفسك تعبا أكثر وغير قادر على التدرب أو القيام بنشاطاتك الرياضية المعتادة، كما أن أداءك سيقل بشكل ملحوظ حسب ما أثبتته دراسة أجريت على لاعبي كرة السلة. كما أن نقص النوم سيؤثر على صحتك العامة بشكل سلبي وبالتالي، تأثر قدراتك الرياضية.