ما هو نظام الماكروبيوتيك؟ فنّ الحياة الطويلة
نظام الماكروبيوتيك macrobiotics
في هذه المقالة سنتعرف على نظام الماكروبيوتيك أو كما نعرفه باسم فنّ الحياة الطويلة
محمود سامي
طعام صحي
إنّ التغذية المتوازنة هي أساس صحة الجسم، فمعظم الأمراض اّلتي يشكو منها الناس حاليا أساسها التغذية غير المتوازنة، حيث يلاحظ بأن تغير النمط الغذائي وارتفاع نسبة إصابة النّاس بالأمراض المزمنة خلال القرن العشرين هما شيئان متلازمان، وما الأمراض والعلل المنتشرة هذه الأيام إلاّ نتيجة الأسلوب الخطأ الذي نتبعه ونوعية الغذاء الذي نتناوله. والسبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع يعتمد علينا نحن، إذ يجب أن نغير نمط حياتنا ومعيشتنا، بتناول الغذاء السليم المتوازن من حيث المحتوى والطاقة، وهذا هو الأساس الذي يقوم عليه النظام الغذائي المسمى “ماكروبيوتيك”. فما هو الماكروبيوتيك؟ و ما هي أبرز تطلعاته كنظام غذائي جديد؟
الماكروبيوتِيك (macrobiotics)
الماكروبيوتِيك (macrobiotics): كلمة مركّبة، ماكرو(Macro) تعني “كبير أو شامل”، وبيو(Bio) “تعني الحياة”، أي الحياة بشموليتها (الشمولي الحيوي)، وقد طوّرها الفيلسوف الياباني جورج أوشاوا (Georges Ohsawa) في النصف الأول من القرن العشرين، وهي عبارة عن طريق للوصول إلى أسلوب حياة أساسه تطبيق نظام غذائي متوازن وصحيح في الحياة اليومية للإنسان، وهذا يتلاءم مع طبيعة كل شخص واحتياجاته الحيوية والبيئية. ومن خلال فلسفة الماكروبيوتيك فمجمل الغذاء الذي نتناوله يقوم على نوعين مختلفين من الطاقة “الأولى تسمى (يْيِنْ) YIN أنثى” “والثانية تسمى (يانْغْ) YANG ذكر”، حيث أن طاقة YIN تتعلق بالارتخاء أو التمدّد (expansion)، أمّا طاقةYANG فترتبط بالشدّ أو القبض (contraction). ويقتصر هذا النظام عند التكلم عن الغذاء بشكل أساسي على الاتجاه الغذائي النّباتي (الحبوب، الخضراوات، الفاكهة، النباتات البحرية وغير ذلك) بحيث تطبخ الخضراوات جيداً وتستخدم الحبوب كاملة.
لمحة تاريخية
تعود بداية نظرية الماكروبيوتيك إلى الدكتور ساجن إشيزوكا (Sagen Ishizuka)، من خلال بحوثه في الطب الصيني والياباني. وبعد دراسات عديدة ألّف كتابا عام 1897 بعنوان شوكويو (Shoku-yo) أي المداواة عن طريق الغذاء، والذي ذكر فيه بأن أساس الصّحة وطول العمر هو التوازن التام بين العناصر الغذائية في الجسم وبشكل خاص عنصري الصوديوم (Na) والبوتاسيوم (K ). وفي عام 1913 تابع جورج أوشاوا نظريات إيشي زوكا ثم سافر إلى باريس عام 1929، وبعدها إلى الولايات المتحدة عام 1959 لتعريف الغرب على آراءه الفريدة عن نظام غذائي أطلق عليه اسم “ماكروبايوتِكسْ ” Macrobiotics.
ماهو الغذاء الذي ينصح به الماكروبيوتيك؟
إذا حاولنا تقديم نصيحة ما للمستهلكين حول الأغذية التي يجب عليهم أن يتجنبوها من أجل تحسين صحتهم، عادة ما يتبادر إلى أذهانهم السؤال التالي: ” ماذا نأكل إذن؟!”. فالناس الذين يعيشون في أمريكا الشمالية مثلا يناسبهم غذاء مكوّن من الحبوب الكاملة، والخضراوات والبقوليات ومنتجاتها، بحيث تكون مطبوخة كلّياً، إضافة إلى الحساء بمختلف الأنواع وهذا شيء طبيعي. بينما تختلف أنواع الأغذية بالنسبة لنا حسب المناخ والظروف البيئية السائدة. ومن أجل صحّة أفضل لا بد من تحضير الطعام بطرق وأساليب معينة، من حيث تحسين الطعم، النكهة، قوام الطعام ومحتواه الغذائي، وما يقدّمه من نشاط وقدرة على الحياة. فنظام الماكروبيوتيك يقـدم طريقةً بسيطة لتصنيـف الأغذية حسب YIN و YANG، بتضمن الغذاء جميع الأطعمة إن رغب الفرد بذلك (المعتقد الأساسي للماكروبيوتيك هو أن ” الشخص السليم صحيّا يستطيع أن ينعم بأي شيء”). إلاّ أنه فقط ينصح المرضى أو الضعفاء من الناس بتنـاول وجبــات بسيطة صحيّة وطبيعية، تشمل بشكل أساسي الحبوب الكاملة والخضراوات، البقـوليات، البذور، وأنواع الخس المختلفة، السمك، الفاكهــة والمكسّرات (بندق، جوز، لوز)، وذلك باتّبـاع نظـام معين للكميات والنوعيات المستهلكة، على الأقل حتّى شفاء المريض.
وهناك اعتقاد خاطئ حول الماكروبيوتيك بأنّه يدعو إلى تناول الأرز البنّي فقط وهذا ما يتنافى مع المبدأ الأساسي لهذا النظام، فهو يدعو إلى غذاء تدخل فيه أصناف عديدة من المأكولات المحضّرة بطرق وأساليب متنوعة.
لماذا الابتعاد عن اللحوم ومشتقات الألبان؟
إن قطاع الثروة الحيوانية لا سيما الأبقار والأغنام قد أخذ قسطاً وافراً من التطور، على أسس صناعية وتكنولوجية عالية، فالأبقار في الوقت الحاضر تعيش في بيئة اصطناعية وتحت ظروف غير طبيعية لتُعطى هذه الحيوانات بشكل روتيني المضادات الحيويّة، الّتي تؤثر على بعض أنواع البكتيريا ولا تؤثر على الفيروسات، وتترك وراءها في اللحوم والحليب ميكروبات مقاومة للأدوية.
فمع كل قطعة لحم ورشفة لبن تتدفّق هذه الميكروبات إلى أحشاء متناوليها. مع العلم بأن اللحوم تبدأ بالتحلّل بعد ذبح المجترات مباشرة، وهي أصعب هضماً من الأغذية النباتيّة، لأنّها تحتاج من 4-4.5 ساعة حتى يتم امتصاصها من قِبل الأمعاء، مقابل 2- 2.5 ساعة للحبوب والخضراوات.
وما يتعفن من اللحوم يكوِّن سموماً ومركّبات أمينية منحلّة، تتجمع في الكبد وفي الكلى والمعي الغليظ،، إضافة إلى تحطيمها للبكتيريا الحيّة، خصوصاً تلك الّتي تقوم بصنع مجموعة فيتامين B، وبالتالي تحلّل جدران الأمعاء الّتي تمتص الغذاء المهضوم لتنقله إلى الدم.
وهناك دراسات تفيد بأنّ اللّحوم المطبوخة وما بها من heterocyclic amines لها علاقة بالإصابة بسرطان المعدة وغيره من الأمراض.
رأي الطب وعلماء التغذية في الماكروبيوتيك
يقول الدكتور أمين شمس الدين في كتابه (الصحة في العودة إلى الطبيعة): بعض الأطباء يتّبعون نظاما غذائيّا ماكروبيوتيكيّا، وآخرون يتّبعونه بشكل أو بآخر ويتجهون نحو الالتزام به بشكل كامل.
وبعضهم يشعر بأن هذا النظام يفتقر إلى براهين وأدلة علمية في أنّه يساعد على الشفاء من المرض. بينما هناك آخرون ينصحون مرضاهم بنظام غذائي ماكروبيوتيكي.
فالتغذية بحد ذاتها مجال طبيّ أُهمِل أو استُخِفّ به لسنوات عديدة، وقد أصبح الآن يحظى بالانتباه والاهتمام الذي يستحقه.
إلّا أن نظام التغذية الحديث يأخذ بعين الاعتبار عند تقييمه وتقديره للأغذية “فقط” التركيب الكيميائي للمواد الغذائية، فهو يتجاهل الطاقة الموجودة فيها، كما يتجاهل الفروق الكبيرة في النوعيّة ما بين تناول الأرز الأبيض، المضافة إليه مواد غذائية حتى يصبح “غنياً ” من حيث النوعيّة وبين الأرز البني الغني بطبيعته.
والأبقار التي تربّى بشكل طبيعي ومنتجاتها من الحليب ومشتقاته وبين تلك الأبقار وحيوانات المزرعة الأخرى ومنتجاتها، التي نحصل عليها عن طريق الأغذية المصنعة والهندسة الوراثية أو الاستنساخ وتأثيراتها السلبية على صحّة الإنسان. والشيء نفسه ينطبق على الاختلاف في إعداد الطعام بين استخدام مصادر طاقة متنوعة مثل الغاز أو الحطب وغيرها من مصادر الطاقة الطبيعية، وبين الطبخ باستخدام الأجهزة الكهربائية وأفران الميكروويف الضّارة بالصحّة.
مزايا نظام الماكروبيوتيك
كلّما زادت معلوماتنا حول الماكروبيوتيك وزادت ممارستنا له، تمتّعنا بفوائد أكثر ولكن ذلك لا يعني تشابه الفوائد بالنسبة للأشخاص، فلكلّ شخص ردة فعل مغايرة وبالتالي تختلف الاستفادة من شخص لآخر. وأهم المزايا الّتي نلاحظها عند إتباع نظام الماكروبيوتيك: شعور أقل بالتعب، شهية أفضل وذاكرة أقوى، التحرر من القلق والخوف، القدرة على النوم العميق.
الماكروبيوتيك … رؤية شرعية
في عام 2008 قام الطالب مهند محمد جزار (كلية العلوم، جامعة الخليل) بنشر مقالة بعنوان “الماكروبيوتيك، نظرة علمية و رؤية شرعية” وهي ملخّص لما قام به من أبحاث، حيث كتب أنّ هناك مخاطر صحيّة تلحق باتباع نظام الماكروبيوتيك خاصة الأطفال والنساء، كما كشف عن وجود مفارقة بين الماكروبيوتيك والنظام الغذائي في الإسلام وأوصى في نهاية بحثه بعدم إتباع هذا النظام لفترة زمنية طويلة ودون إشراف طبيّ، إلّا أن يكون لحمية غذائية كالتخلص من السمنة مثلا. مستندا في خلاصته إلى أنّ هذا النظام لم يسبق وأن قيّم بطريقة علمية وشرعية صحيحة في العالم العربي.
ومع ذلك فإنّه لا يمكن إغفال الماكروبيوتيك كلّيا، فيمكن للعلماء والباحثين إدخال تعديلات عليه للاستفادة منه بشكل أفضل خاصة في علاج بعض أمراض العصر المستعصية. وعند بداية تطبيق النظام الغذائي الماكروبيوتيكي يوصى باستشارة متخصّص في الماكروبيوتيك، وخصوصاً إذا راود الشخص المعني أي ارتباك أو تشويش جرّاء سماع أسماء عديدة ومختلفة لأغذية ومأكولات وهذا ما يصادفه المهتمّون بالموضوع عادة.
طريقة نموذجية لهذا النظام تتناسب مع البيئة الإسلامية والعربية
استطاع بعض أخصائيي التغذية المهتمين بنظام الماكروبيوتيك صياغة طريقة نموذجية لهذا النظام تتناسب مع البيئة الإسلامية والعربية، ويمكن تلخيصها فيما يلي (ينبغي أن يحتوي الغذاء اليومي على النسب التقريبية التالية):
- نصف الطعام: حبوب كاملة أي غير منزوعة القشرة ويؤكل الخبز مصنوع بخميرة طبيعية دون إضافة سكر أو مواد مضافة.
- ربع الطعام: خضراوات محلية مسمدة عضويا أو موسمية محفوظة بطرق طبيعية وتؤكل مطهية أو طازجة مع كمية صغيرة من الزيت.
- ثُمن الطعام: بقوليات مثل الحمص والعدس والفاصوليا واللوبيا والفول.
- ثُمن الطعام: حساء ( الشوربة ) تصنع من الحبوب أو الخضراوات أو البقوليات ويفضّل أن تكون موسميّة وتطهى بمختلف الطرق .
كما لا ننسى الأطعمة التي نتناولها بشكل غير منتظم:
- اللحوم والدواجن والأسماك بمعدل مرتين أسبوعيا وبكميات متوسطة.
- الماء لا ينبغي الإسراف فيه بل الاعتدال هو المطلوب.
و يجب الابتعاد عن الأطعمة التالية: الطعام المحتوي على ألوان صناعية أو مواد حافظة أو معطرة أو نكهات أو مزينات صناعية، والطعام المصنع، المثلج والمعالج كيميائيا أو إشعاعيا والمتبّلات الحارة، الخل الصناعي، المياه الغازية، الصودا والمشروبات الصناعية.
المراكز والجمعيات العالمية المهتمة بنظام الماكروبيوتيك
- معهد كُووشي Kushi Institute في ولاية مساشوسيتس USA
- معهد الماكروبيوتيك الدولي في كينتال/ سويسرا
- رابطة الماكروبيوتيك في بريطانيا
- مركز المعلومات الدولي للماكروبيوتيك (نحو عالم يسوده السلام)
- وفي الوطن العربي مركز ” بيت السلام ” في لبنان تحت إشراف معلمة الماكروبيوتيك الدكتورة مريم نور (قرية معاد – قضاء جبيل – لبنان، أو عن طريق الإنترنتwww.baitennour.com)
إضافــة إلى عشرات المكاتب الأهلية لمعهــد كُووشي المنتشرة في 20 دولـة في مختلف أنحاء العالم.
- Edward Esko, Food and Healing, Macrobiotics Today, Oraville, Ca, Nov./Dec., 1993
- http://www.macrobiotics.org
- (ترجمة/ د. أمين شمس الدين)
- Kaare Bursell, The Alkhemycal Pages, Macrobiotics Questions and Answers, What is Macrobiotics?
- http://www.alchemycalpages.com/qa.html
- مهند محمد الجزار (2008)، الماكروبيوتيك نظرة علمية و رؤية شرعية. مجلة جامعة الخليل للبحوث ، المجلد 3، العدد 2، ص (1_18). قسم الأحياء، كلية العلوم و التكنولوجيا، جامعة الخليل_ فلسطين.
- كارل فيريه (2003) ، دليل الماكروبيوتيك، تعلم الماكروبيوتيك في أسبوع. الطبعة 2، دار الخيال. بيروت.
- د. أمين شمس الدين داسي الشيشاني (2002)، الصحة في العودة إلى الطبيعة. عَمان.
نظام الماكروبيوتيك macrobiotics طعام صحي نظام صحي