قصة طالوت وجالوت وسيدنا داود
قصة جالوت وطالوت
في هذه المقالة سنتعرف على قصة طالوت وجالوت
محمود ساميقصة
تعتبر قصة طالوت وجالوت من القصص القرآنية الرائعة والمناسبة للأطفال وللكبار، فالقصة تحكي عن بني إسرائيل وكيف أن الله يُسخر العباد من أجل عباده، فهيا بنا لنتعرف على هذه القصة الشيقة.
قصة طالوت وجالوت
كان من عادة بني إسرائيل عندما يشتبكون مع أعدائهم في معركة أو أو حرب، أن يحملوا في مقدمة الجيش تابوتًا (1) مما يوفر لجيش إسرائيل الروح المعنوية العالية وسكينة النفس.
ومما ينزل الرعب والهلع بصفوف جيش الأعداء، إذ كان هذا التابوت صندوقًا خشبيًا يحتوي على عصا موسى عليه السلام وبقايا من الألواح التي أنزلها الله على موسى وفيها شريعته.
إلا أنهم لما انحرفوا عن شريعتهم وخرجوا عن إيمانهم، وغيروا ما بأنفسهم، أصيبوا بألم وعذاب كبيرين، فقد غلبوا على أمرهم وطردوا من ديارهم، وأخذ منهم تابوتُهم، فانفصمت عُرْوَتُهُمْ (2) وتصدعت (3) قوتهم، فاستكانوا للذل، وباتوا علىالهوان.
وهكذا ظل بنو إسرائيل على هذا الشكل ردحًا (4) طويلا من الزمن، وأخذوا يبحثون عن مخرج للحالة التي هم فيها، وللوضع السيىء الذي أصبحوا فيه، والذل والضياع اللذين أحاطا بهم.
فلجأ نفر من بني إسرائيل إلى نبيهم "صموئيل" لعلهم يجدون لديه المخرج الملائم والإنقاذ الصحيح. وقد طلبوا منه أن يختار لهم ملكًا ينصاعون لأوامره ويقوون تحت رايته، ولعلهم يغلبون أعداءهم، ويحرزون النصر المشرف.
قال تعالى:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
وكان "صموئيل" قد اطلع على أحوالهم ولمس نقاط قوتهم ونقاط ضعفهم، ولما ألح على "صموئيل" بنو إسرائيل باختيار زعيم لهم وافق على أن يستخير الله في أمرهم، لعله يجد الحل المنشود.
فاستخار "صموئيل" الله فيمن الأصلحُ والأفضل لتولي زعامة بني إسرائيل، فأوحى الله تعالى إليه: إني قد اخترت عليهم "طالوت" مَلِكاً.
قال تعالى:
وقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً
وكعادة بني إسرائيل في الاعتراض على أحكام الله قالوا لنبيهم كما في قوله تعالى:
قَالُوا أَنَّى يَكونُ لَه الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالمُلْكِ منْهُ ولَمْ يُوْتَ سعةٌ مِنْ المَال
سأل "صموئيل" ربَّهُ قائلاً: يارب إن "طالوت" إنسان لم يسبق لي أن عرفته ولا سمعت به من قبل. فأوحي إليه: إني سأرسله إليك وسوف تتعرف عليه بكل سهولة، فعليك أن تسلّمه المُلْك وراية الجهاد.
كان طالوت رجلاً يميل إلى البدانة طويل القامة قوي البنية، له عينان لامعتان، وقلب ذكي وعقل ناضج إلا أنه لم يكن معروفاً عند الجميع إلا لدى قليل من الناس، فقد كان قرويًا (5) يعيش مع ابنه في إحدى قرى الوادي، يقوم برعي الماشية، ويزرع الأرض ويشذب (6) الزرع.
ومرة كان "طالوت" يرعى ماشيته مع غلامه إذ ضلَّ بعضها في الأرض الواسعة الوعرة، فأخذا يبحثان عن الماشية الضالة، فما لبثا أن شاهدا أنفسهما في أراضي "صوف" موطن النبي "صموئيل" فقال الغلام لطالوت»: إن "صموئيل" - كما أعلم - نبي يأتيه الوحي، وتهبط عليه الملائكة، فهلم إليه نستوضحه ونطلب العون منه. فوافق "طالوت" وتجدد لديه الأمل، ولمح بارق النجاح.
وبينما كان طالوت وغلامه في طريقهما إلى "صموئیل" شاهدا فتيات خرجن يطلبن الماء فطلبا إليهن أن يرشداهما إلى النبي "صموئيل" فقلن لهما: نعم، إن القوم على ذروة (7) الجبل في انتظاره، وهو على وشك الوصول فاذهبا واصعدا قمة الجبل هذه.
فما أن وصلا حتى لمحا مع القوم "صموئيل" من بعيد متجهًا إليهم إلى هذا المكان، فما لبث أن وصل "صموئيل" وأصبح بين قومه، والصمت المهيب يسيطر على الأفواه جميعها، وعبق النبوة يفوح من "صموئيل" وتحدثت قسمات وجهه، وإن لم يتكلم بأنه يحمل معه النبأ الهام عن مُلك "طالوت" ذلك الرجل القوي، وهنا التقت عينا "صموئيل" و"طالوت" حيث أعلمه بنبأ الزعامة والسلطان.
توجه "صموئيل" إلى "طالوت" قائلاً: إن الله قد اختارك ملكًا لبني إسرائيل، لكي تجمع كلمتهم وتحزم أمرهم، وتخلصهم من أعدائهم وتعيد الإيمان بالله إلى قلوبهم.
قال «طالوت» وقد فاجأه النبأ: ما أنا والملك والرئاسة، أنا من أبناء "بنيامين" أخمل (8) الأسباط ذكراً، وأفقرُهم مالًا وأقلهم صيتًا.
قال "صموئيل": هذه إرادة الله ووحيه وأمره، فاشكره على هذه النعمة وهذا الاختيار. ثم أمسك "طالوت" من يده ونادى قومه قائلًا: إن الله قد اختار لكم طالوت فله حق الزعامة والقيادة والتصرف، وعليكم الإذعان والطاعة له، فاحزموا أمركم، واستعدوا للقاء أعدائكم.
قال تعالى:
إنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةٌ فِي العِلْمِ وَالجِسْم واللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
فعندما انفض القوم من ذروة الجبل حيث بشروا بملك "طالوت" وجدوا التابوت فنزلت عليهم السكينة، وتفاءلوا بالخير وأقروا لطالوت بالسلطة واعترفوا له بالملك.
قال تعالى:
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُم وَبَقِيَّةٌ مما تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تحمله الملائكة
تَسَنَّم "طالوت" المُلْكَ وأحسنَ قيادة الجيوش وأظهر حزماً وعزمًا وحنكة (10) ودراية في أصول الحكم وتسيير أمور الناس، ولما مضت فترة زمنية قصيرة كان قد جهز جيشه أحسن تجهيز وأعاد نسجه من جديد قويًا صلبًا مقدامًا بارعًا.
إلا أن "طالوت" وهو الملك الحكيم أراد أن يحتاط لنفسه، فأراد أن يختبرهم ويعدهم أي بني إسرائيل لِلْقَاءِ المنتظرِ مع الأعداء، وخشي «طالوت» أن يخذلوه ساعةَ المعركة الفاصلة، فقال لهم:
إنكم ستلاقون نهرا متدفقا، فمن كان قوي الشكيمة (11) مؤمنًا واثقًا من النصر لإعلاء كلمة الله عزيزةً كريمة، فلا ينهل من الماء إلا القليل، فأولئك هم الصابرون المؤمنون المخلصون، أما من شرب الكثير من الماء وعَبَّ منه ما شاء فقد جاوز الأمر وألحق الأذى بنفسه وبجيشه، ومن ثُمَّ كان سبباً في الهزيمة والانكسار.
وحدث ما توقع "طالوت" حدوثه، فقد سارع الأكثرون إلى النهر يعبون منه عبًا إلا القلائل منهم. وهكذا انقسم جيش "طالوت" شعبتين: شعبة خارت قواهم وضعفت عزيمتهم، وتخاذلت قوتهم.
وشعبة قليلة ظلت قوية صامدة مقدامة، هؤلاء الذين عمر قلوبهم الإيمان وتشربوا حب الجهاد في سبيل الله.
فلما اشتدت المعركة، برز "جالوت" قائد جيش عدو بني إسرائيل داعيًا للمبارزة فخافوه وهابوا صولته وتهيبوا ملاقاته فوقفوا حوله خائفين متخاذلين متراجعين.
كان يقيم في بيت لحم رجل مسن قد أحنت السنون ظهره واشتعل رأسه شيبًا، وكان يعيش هادئًا آمنًا مع أولاده الذين أصبحوا في سن الفتوة والشباب. فلما قامت الحرب واستنفر "طالوت" بني إسرائيل للجهاد اختار هذا الرجل ثلاثة من أبنائه للاشتراك في الجهاد، وقال أصغرهم:
عليك أنت يابني أن تحمل الطعام لإخوتك، وأن تكون رابطة الوصل بيني وبينهم حين تأتيني بأخبارهم يوميًا دون إهمال أو تقصير، أما ساحة الحرب وميدان الوغى (12) فأحذرك من الاقتراب منها خوض غمارها. فأنت لست مؤهلاً لها فدعها لأصحابها وانتبه لنفسك وخذ جانب الحذر منها.
لم يكن هذا الابن والفتى الأصغر إلا "داود" عليه السلام فقد كان على حداثة سنه وضيء الطلعة، ذكيًا فطنًا شجاعا.
سار "داود" مع إخوته حتى بلغوا ميدان المعركة، وشاهد قائد جيش العدو ينزل أفدح الخسائر بصفوفهم ويلحق بهم الهزائم فيقتل هذا ويجرح ذاك، والكل يتجنب ضرباته والكل يخشى سطوته.
سأل "داود" إخوته عن هذا الإنسان القوي فقالوا له: إنه "جالوت" الذي لا يخشى أحدًا، وهو الذي أذاق جيش بني إسرائيل الأمرين، حتى والبواسل منا قد هابوا لقاءه ومنازلته.
أطرق "داود" مفكرًا بأمر "جالوت" ورأى كيف أن هذا القائد قد ألحق بنبي إسرائيل وجيشهم الذل والعار فصمم على لقائه ومبارزته، فقابل "طالوت" وأبدى له الرغبة فى مبارزة "جالوت" للقضاء عليه وكسر شوكة الأعداء.
إلا أن "طالوت" لم يوافق "داود" في بادىء وهو الصغير الضعيف وخاف عليه من بطش جالوت القوي الشديد.
ثم إن "طالوت" وافق أخيرًا تحت إلحاح "داود" ورغبته فسمح له بمبارزة ذلك القائد الصنديد (13) "جالوت" وكان أن توجه "داود" لملاقاة القائد، وكان سلاحه الحجارة والمقلاع بدلاً من السيف والرمح والدرع والخوذة.
فلما شاهده القائد "جالوت" على هذه الحال وبهذا السلاح سخر منه واستخف به، وجرت المبارزة والقتال أمام أنظار الجميع. وكانت المفاجأة أن أرسل "داود" ضربةً صائبة أصابت رأس "جالوت" بواسطة حجارة المقلاع ففارق الحياة.
قال تعالى:
فَهَزَمُوْهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوت وآتَاهُ اللهُ المُلْكَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء ولولا دفعُ اللهِ الناسَ بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكنَّ الله ذو فضل على العالمين *تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمنَ المُرْسَلين*
مفاهيم:
- التابوت : الصندوق الذي يحرز فيه المتاع.
- العروة : هنا بمعنى القوة والتضامن.
- تصدع : تفككت وضعفت.
- ردحًا: زمنًا.
- ورد في بعض الروايات في بعض التفاسير أنه كان جنديًا وقيل سقاء وقيل دباغًا.
- يشذب : يعتني.
- الذروة : القمة.
- خامل الذكر: مغمور - غير معروف.
- تسم: اضطلع - تولى الأمر.
- الحنكة: البراعة.
- قوي الشكيمة: شديدًا، صلبًا.
- الوغى: الحرب أو المعركة.
- الصنديد: القوي جدًا.
- القصة من كتاب: شمس الهدى والإيمان - من قصص القرآن - قصة طالوت وجالوت - إعداد عبد الرؤف دقاق ونهاد حناوي، ومراجعة محمد كمال
طالوت وجالوت قصة طالوت وجالوت طالوت جالوت سيدنا داود